التكية لغوياً جمعها تكيه، وهي المقابل لتسمية الخانقاه، والتي تجمع على خوانق أو خانقاوات فالتكية هي مكان إقامة الصوفية – وهي في إجمالها "بيوت للعباده" يسكنها الدراويش، ويعتمدون في معيشتهم على أوقات خصصت لذلك، وكان يشيدها بعض الأغنياء ويخصصون لها ريع وقف أو أوقاف تقرباً إلى الله تعالى ويتردد عليها الفقراء وعابروا السبيل للمبيت والمأكل والمشرب، وسكان التكيه من الدراويش رجال الله وملعون من يكدر صفوهم.
إن حياة التكيه خارج أسوار الحياة فهي تشيد في خلاء، أهلها ينشدون العزله والبعد عن الدنيا والناس، هكذا انعكست حياة أهل التكايا بصفة عامة في عقول وأفهام الناس، فهم قوم يميلون إلى العزلة والزهد في متاع الدنيا. ولم ترد لفظة "تكية" في اي من أعمال "جلال الدين الرومي" أو في أعمال من أرخوا وكتبوا عن سيرته في مرحلة معاصرة أو قريبة من فترة حياته، فبالرغم من عظم مكانة التكية عند "مولانا جلال الدين الرومي" إلا أنه لم يعرفها إلا باعتبارها:
تلك الدار لا ينقطع عنها الموسيقى أبداً.
تلك الدار التي كل من بداخلها سكاري بخمر العشق.
تلك الدار التي ترابها وحبات الحصى فيها ما هي إلا عنبر ومسك طيبالرائحة والأريج.
موقع الأثر وتاريخه:
تقع هذه التكية ضمن مجموعة محمد بك أبو الدهب والتي توجد بمنطقة الأزهر حيث تواجه الواجهة الشرقية للمجموعة الجامع الأزهر وتقابل الواجهة الشمالية للمنطقة التي تقع جنوب مسجد الحسين وتطل الواجهة الجنوبية على شارع التبليطة، وتعتبر هذه الواجهة هي الواجهة الوحيدة للتكية. وكان الشروع في إنشاء المجموعة سنة 1187هـ/1773م، وتم الفراغ منها سنة 1188هـ/1774م، وتضم هذه الواجهة بالاضافة إلى التكية المسجد الذي انشئ ليكون مدرسة تعاون اأزهر واختار للتدريس بالمسجد مجموعة من أهل الحق، والحق بالمسجد تكية خصصت لسكن المتصوفة الاتراك وسبيل وحوض الدواب، وقد تم تجديد التكية في أوقات لاحقة خصصت لاقامة طلبة العلم. ويذكر أن هذه التكية اقيمت على قسم كبير ضمن أرض خان الزراكشة الذي قام بشرائه محمد بك أبو الدهب وترك مدخله الملاصق للواجهة الغربية وانشأ التكية على باقي مساحة الخان.
منشئ الأثر:
انشأ هذه التكية الأمير الكبير محمد بك أبو الدهب تابع على بك الكبير، والذي ترقى في المناصب حيث قلده الصنجقية، وقام محمد على بشراء الكثير من المماليك والعبيد، وفي سنة 1185هـ/1771م أعلن على بك الكبير فصل مصر عن الدولة العثمانية وعهد إلى محمد بك أبو الدهب بقيادة جيش كبير لفتح سوريا وما أن تم لمحمد بك فتح دمشق حتى انقلب على على بك الكبير وتفاوض سراً مع رجال الدولة العثمانية لاعادة النفوز العثماني إلى مصر وعاد بجيشه إلى مصر سنة 1186هـ/1772م، وقامت حرب بين على بك الكبير وأبو الدهب انتهت بمقتل على بك الكبير سنة 1187هـ وعادت مصر ولاية عثمانية وخلصت اماراتها لمحمد بك الذي خرج لسوريا مرة أخرى لمضها فاذعنت له الكثير من بلاد الشام، إلا انه فرض ومات ليلة الاربعاء ثامن ربيع الأول سنة 1189هـ/1775م. فاعاد مماليكه جثمانه لمصر ودفت بمدرسته في الرواق الشرقي للمسجد.
التخطيط العام للتكية:
ينحصر التخطيط العام لهذه التكية بأنها مخصصة لسكن الصوفية والدارسين بجامع محمد بك أبو الدهب، لهذه التكية واجهتان هما الواجهة الجنوبية، وتوجد ضمن الواجهة الجنوبية لمجمعة أبو الدهب، والواجهة الثانية هي الواجهة الغربية وهي واجهة بسيطة تفتح على ممر ضيق ويوجد بين التكية وبين خان الزراكشة الملاصق لمجموعة أبو الدهب، ويمكن أن نتوصل من داخل التكية عن طريق ثلاثة أبواب الباب الأول وهو الباب الجنوبي للمجموعة والذي يؤدي غلى صحن مكشوف تشغله الميضأة الملحق بمجموعة أبو الدهب، ويوجد بالجدار الشمالي للصحن ممر يؤدي للطابق الأول للتكية.
والباب الثاني: هو الباب الموجود بالجدار الشمالي لحوض الدواب والذي تم استخدامه بعد الترميم الجاري بالمجموعة ويؤدي أيضا غلى الطابق الارضي للتكية.
والباب الثالث: يوجد بالواجهة الغربية ويؤدي إلى حجرة بالطابق الأرضي للتكية.
تتكون التكية من الداخل من فناء أوسط رئيسي ملحق به فناء فرعي والفناءان مكشوفان يحيط بكل منها أربع ممرات فتح بجدرانها حجرات للسكن وتتمثل هذه الحجرات الطابق الأرضي للتكية ويعلو هذا الطابق طابقان متشابهان حيث يتكون كل منها من أربع ممرات تفتح على الفناء الرئيسي والفرعي بشرافات خشبية وفتح بجدران هذه الممرات حجرات مشابهة لحجرات الطابق الأرضي والحق بكل طابق من الطابقين شرفة خشبية تفتح على الميضأة الملحقة، وفتح بجدران هذه الشرافات حجرات للسكن ويلاحظ أنه يوجد بالركن الشمالي الشرقي للفناء الرئيسي للتكية ساقية لرفع الماء إلى طوابق التكية.
وصف التكية كما ورد بالوثيقة:
تشمل التكية على رحاب كبير (صحن) مفروش أوضة بالرخام الملون به حنفية كبيرة (ميضأة) يعلوها قبة مشايخي محمولة على أعمدة من الرخام عددها ثمانية، تشتمل على ستة عشر بزبوزاً، من النحاس الأصفر، ويعلوها رفرف من الخشب، وعلى يمين الصحن المذكور باب معقود يغلق عليه فردة باب من الخشب النقي بجواره بابين يغلق على كل منهما باب من الخشب النقي، يؤدي كل منهما إلى أودة لها سقف خشب وأرضيتها من الكدان، وبجوارها باب أخر يوصل إلى مجاز مسقف بالخشب النقي، به ناحية الداخل مطبخ ويؤدي للمجاز المذكور غلى مجاز أخر كبير مسقف بعضه والباقي مكشوف سماوي، ويشتمل المجاز المذكور على أربعة مراحيض ومستحم.
التخطيط العام:
يتكون تكية محمد بك أبو الدهب من مستطيل يبلغ طوله 33م، بينما يبلغ عرضه 24م، ويحيط بتلك المساحة المستطيلة من الجهات الجنوبية والشمالية والغربية رواق يبلغ طوله 6م، وهو طراز فريد عرفته مصر العثمانية من قبل في مسجد سنان باشا (979هـ/1571م)، والحق بهذا المسجد مساكن للصوفية الاتراك وساقية وصهريجاً وحوضاً لسقي الدواب وميضأة تعلوها ثلاث حجرات مخصصة لمشايح المذاهب المالكية والحنفية والشيعية، ورتب له أكابر المدرسين بالأزهر بالإضافة إلى سائر الوظائف اللازمة لإقامة شعائره وأوقف على ذلك أطيان واعيان عديدة بالإضافة إلى ثلاثة وثلاثين حانوتاً أسفل المسجد نفسه، وجعل بمسجده هذا خزانة كتب بها نحو 650 كتاباً من أمهات الكتب في التفسير والحديث والتصوف.